تنظيم وتركيب الخلية والأحماض النووية
الخلية وحدة البناء
يضم جسم الإنسان ملايين الخلايا والتي يصل عددها إلى نحو 36000000 مليون (36 ترليون) خلية. تنشأ خلايا الشخص الواحد من خلية واحدة، وهي البويضة المخصَّبة (الزيجوت) التي تنمو متمايزة إلى حوالي 200 نوع من الخلايا، ولهذا فإن جميع الخلايا تحتوي على نفس المادة الوراثية. تُخزَّن المعلومات/التعليمات في نواة الخلية في الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين (دي. إن. إيه) (DNA)، وهو اختصار لكلمة: (Deoxyribonucleic Acid)، ويُسمى الحمض النووي؛ لأنه يوجَد في نواة كل خلية من خلايا جسم الإنسان. يتحكم الحمض النووي بكل وظائف وتركيب الكائن الحي، وكذلك في نقل الصفات الوراثية عبر الأجيال
يحتوي الجينوم البشري على ما يقرب من ثلاثة 3 مليارات زوج من القواعد. كما يحتوي الجينوم البشري على ما بين 20-25 ألف جين gene (المورثات) موجودة في نواة الخلية، تم ترتيبهم على هيئة ثلاث وعشرين زوجا من الكروموزومات (الصبغيات). عام 2003م تم الانتهاء من القراءة والتحقق من تركيب الجينوم البشري، واستغرق هذا العمل 10 سنوات، شارك فيه العديد من دول ومراكز أبحاث حول العالم، وتوصلوا إلى نتائج مميزة حيث يختلف حجم الجينوم وعدد الكروموزومات بين الكائنات الحية
الكروموزومات (Chromosomes)
يتوزع الحمض النووي في نواة الخلية على وحدات تُسمى الكروموزومات (Chromosomes)، وتحتوي كل خلية من خلايا جسم الإنسان على عدد 46 كروموزوما، منظَّمة على هيئة 23 زوج من الكروموزومات. يوجَد نوعان من الكروموزومات هي: الكروموزومات الجسدية (Somatic Chromosomes)، ويبلغ عددها 22 زوجا من الكروموزومات، وهي المسؤولة عن نقل الصفات الوراثية بين الأجيال، وبناء وظائف الجسم، والنمو
الكروموزومات الجنسية (Sex Chromosomes) وهي التي تحدد الجنس ذكرا أو أنثى، في زوج الكروموزومات 23. يحمل الذكر زوج الكروموزومات (XY)، بينما تحمل الأنثى زوج الكروموزومات (XX). تحتوي البويضة غير المخصبة من الأنثى دائما على الكروموزوم “X”، بينما يحتوي الحيوان المنوي من الذكر على الكروموزوم “X” أو الكروموزوم “Y”. إذا اتحد الكروموزوم “X” من الذكر مع الكروموزوم “X” من الأنثى كان الجنين أنثى “XX”، بينما إذا اتحد الكروموزوم “Y” من الذكر مع الكروموزوم “X” من الأنثى كان نوع الجنين ذكر “XY”
الجين وحدة الوراثة (Gene)
يورث الشخص 23 كروموزوما من الأب، و23 كروموزوما يُورَث من الأم. الجين (Gene) هو ذلك الجزء من الحمض النووي الذي يحتوي على تعليمات محددة لوظيفة محددة، مثل إنتاج بروتين أو تحديد نمط وراثي معين. يتكون الجين من زوج من الأليلات (Alleles)، كل أليل يقع على أحد الكروموزومات المتشابهة. يَرِث الشخص أحد الأليلات من الأب، والآخر من الأم. الأليل (Allele) هو شكل مختلف من أشكال الجين (gene) في موضع معين. الموضع (Locus)، أو المواضع Loci، بصيغة الجمع، هو الموقع الفعلي للجينات في منطقة محددة من الكروموسوم. يوجَد لدى كل شخص زوج من الأليلات في موضع معين، ويُسمى نمطًا وراثيًّا (genotype). هذا النمط الوراثي إما متخالف الأليلات (Heterozygous) أو متماثل الأليلات (Homozygous). أساس اختبارات بصمة الحمض النووي هو التباين في التركيب الوراثي في مواضع محددة ومتعددة على الحمض النووي
التركيب الكيميائي للحمض النووي (DNA chemical structure)
الحمض النووي عبارة عن سلسلة مرتبطة من وحدة تُسمى النيوكليتايد (Nucleotide)
تتركب النيوكليتايد من 3 أجزاء، هي
قاعدة نيتروجينية (Nucleobase)
كربون خماسي (Five Carbon Sugar)
مجموعة فوسفات (Phosphate Group)
يتكون الحمض النووي من 4 وحدات بناء تُسمَى قواعد، وهي
الأدنين (Adenine) ويُرمَز لها بالرمز (A)
السيتوسين (Cytosine) ويُرمَز لها بالرمز(C)
الجوانين (Guanine) ويُرمَز لها بالرمز(G)
الثايمين (Thymine) ويُرمَز لها بالرمز(T)
تتكون سلسلة النيوكليتايد، التي تكوِّن الحمض النووي، من خلال ارتباط أحد النيوكليتايد عبر رابطة الفوسفات بالنيوكليتايد التي تليها في التسلسل. يخضع ارتباط النيوكليتيدات في الحمض النووي إلى قاعدة تُسمى قاعدة الارتباط المكمل (Base-pairing Rule)، حيث ترتبط الأدنين (A) مع الثيامين (T) فقط عبر اثنتين من الروابط الهيدروجينية (Hydrogen-Bond)، بينما ترتبط الجوانين (G) مع السيتوسين (C) فقط بثلاث من الروابط الهيدروجينية. يتشكل الحمض النووي (Double-Strand DNA) من سلسلتين متوازيتين تنتظمان على هيئة سُلم ملتَفٍّ حلزونيّا” (Double-Helix)، حيث يتكون جانِبَا السلم الحلزوني من تعاقب السكر الخماسي وقاعدة الفوسفات ، فيما تتصل القواعد النيتروجينية من الداخل بالروابط الهيدروجينية
إن تسلسل النيوكليتيدات (A,G,C,T) في الحمض النووي هو من يحدد وظيفته وخصائصه، وهو المسؤول عن تشكيل الاختلاف والتنوع في جميع الكائنات الحية
وظيفة الحمض النووي
انقسام الخلايا (Cells Division)
الانقسام المباشر (Mitosis)
يحدث هذا النوع من الانقسام في الخلايا الجسدية فقط، ويكون فيه عدد الكروموزومات في الخلية الجديدة هو نفس العدد في الخلية الأم (46 كروموزوما”). هذا النوع من الانقسام يكون مسؤولا” بدوره عن النمو وتجديد الخلايا وإصلاحها في الكائن الحي
الانقسام الاختزالي (Meiosis)
يحدث هذا الانقسام للخلايا الجنسية، وينتج عنه الحيوان المنوي والبويضة. تحتوي الخلايا الجنسية الناتجة على نصف عدد الكروموزومات في الخلية الأم، أي إنها تحتوي على 23 كروموزوما”. أثناء تكوُّن الخلايا الجنسية في الانقسام الاختزالي (Meiosis) يحدث تبادل عشوائي لأجزاء من الحمض النووي بين الكروماتيدات في الزوج الواحد من الكروموزومات المشتركة (Autosomes) في ظاهرة تُسمى: التبادل والامتزاج (Recombination/Crossing Over). هذا التبادل يتم بين الكروموزومات المشتركة (1-22)، ويؤدي إلى اختلافات بين ما يورثه الأبناء من الآباء، وهي المسؤولة عن التنوع والاختلاف بين الأجيال. ظاهرة التبادل لا تحدث في الكروموزومات الجنسية (Sex Chromosome) مثل الكروموزوم الذكري (Y-Chromosome) أو الحمض النووي الميتوكندري (Mitochondrial DNA)
إنتاج البروتينات (Proteins Synthesis)
تستخدم المعلومات المحمولة في تركيبة الحمض النووي لإنتاج البروتينات عبر حمض نووي آخر يُسمى الحمض النووي المرسل (mRNA)، الذي بدوره يحمل المعلومات من نواة الخلية إلى السيتوبلازم، حيث يتم إنتاج البروتينات ، وهي المسؤولة عن التحكم في تركيب الكائن الحي و العمليات الحيوية فيه.
التنوع وتعدد الاشكال (DNA Polymorphism)
يُقسَّم الحمض النووي إلى مواقع مشفرة (Coding regions) ومواقع غير مشفرة (Non-Coding regions). المواقع المشفرة من الحمض النووي هي المسؤولة عن إنتاج البروتينات التي تتحكم بدورها في العمليات الحيوية في جسم الإنسان، وكذلك الصفات الظاهرية، مثل لون الشعر ولون البشرة والطول والصفات الأخرى. المواقع غير المشفرة على الحمض النووي من الجينوم البشري، ويُطلَق عليها الحمض النووي عديم الوظيفة (Junk-DNA). استخدم العلماء هذا الجزء من الحمض النووي، بسبب الاختلافات العالية بين البشر، في الاستعراف البشري ولتصنيف البصمة الوراثية في القضايا الجنائية وقضايا إثبات البنوة والقرابة. في الإنسان، يشكِّل الاختلاف في تسلسل الحمض النووي بصمة الحمض النووي أو ما يُسمى بالبصمة الوراثية، بحيث لا يتطابق أي شخصينِ في نتائج البصمة الوراثية إلا التوأمين المتماثلينِ
(Identical Twins)
يتكون الحمض النووي من أربع قواعد (A,T,C,G)، ويشكِّل الاختلاف في تسلسل هذه القواعد كل الكائنات الحية، مثل الإنسان والقرد والموز والأرز والبكتيريا، وكل الكائنات الحية الأخرى، والتي يُقدَّر عددها بأكثر من 5.7 مليون نوع. كما أن اختلاف تسلسل قواعد الحمض النووي في النوع الواحد من المخلوقات يجعلها مختلفةً فيما بينها
يمكن تقسيم تعدد الأشكال (DNA Polymorphism) في الحمض النووي إلى نوعين رئيسينِ؛ هما التغيير الطولي
(Length Polymorphism) والتغيير في تسلسل القواعد (Sequence Polymorphism). في نظام فحص أطوال المتكررات القصيرة المترادفة (Short Tandem Repeat-STR)، يُستخدَم هذا النظام في فحص الاختلاف في أطوال المتكررات القصيرة المترادفةShort Tandem Repeats (STR)، والتي تتكون من 3-5 قواعد في أماكن متفرقة من الكرموزومات المشتركة (Autosomes). تختلف/تتشابه عدد مرات تكرار القطع من شخص إلى آخر في كل ماركر (Marker). يُستخدَم هذا النظام في تصنيف بصمة الحمض النووي للكروموزومات المشتركة (Autosomes) في المختبرات الجنائية للقضايا الجنائية وقضايا البنوة، وكذلك في تصنيف الحمض النووي للكروموزوم الذكري
(Y-DNA Chromosome) في القضايا الجنائية ودراسات السلالات والأنساب الوراثية. في نظام فحص تسلسل القواعد
(DNA Sequence Analysis)، يتم قراءة تسلسل القواعد في العينة ومقارنتها مع تسلسل مرجعي، ومن ثَم مقارنة العينات المختلفة بهدف تحديد التطابق أو الاختلاف. يُستخدَم نظام تعدد أشكال القاعدة الواحدة (Single Nucleotide Polymorphism-SNP) في فحص التحورات في تعدد أشكال القاعدة الواحدة (SNP) بمقارنتها مع التسلسل المرجعي. تحدث الطفرة/التحور في القاعدة الواحدة عندما يتم استبدال القاعدة الواحدة، مثل (A)، التي توجد عادة في موقع معين من الحمض النووي بواحدة من النيوكليتيدات الثلاث الأخرى (T, G, C). يُستخدَم هذا النظام في الحمض النووي للكروموزومات المشتركة (Autosomal DNA) والتعرُّف على العينات المتحللة وتحديد الصفات الظاهرية
نظام تصنيف بصمة الحمض النووي (DNA Fingerprinting) في المختبرات الجنائية
يتم تحليل جزء محدد من الحمض النووي بنظام فحص أطوال المتكررات القصيرة المترادفة (Short Tandem Repeat-STR)، وذلك لتحديد البصمة الوراثية لأي شخص ومقارنتها مع أدلة الحمض النووي في المختبرات الجنائية، حيث يُعَد الاختلاف في أطوال المتكررات القصيرة المترادفة (STR) بين شخص وآخر في المعلم الواحد (STR Marker) هو أساس تصنيف بصمة الحمض النووي
يمكن تحليل أنواع متعددة من المتكررات القصيرة المترادفة (STR) مستقلة وراثيّا” في مجموعة، والتي يمكن تصنيفها في نفس الوقت في اختبار واحد. يُسمى هذا النظام الخليط المتعددة (multiplex)، مما يجعل عملية التحليل أسرع من التقنيات السابقة وذات قوة تميز عالية جدّا”، ولا يتطابق فيها أي شخصين إطلاقا” سوى في حالة التوأمينِ المتماثلين
تستخدم المختبرات الجنائية في تصنيف البصمة الوراثية على الأقل 13 موقعا” (ماركر) في مواقع مختلفة من الكروموزومات المشتركة (Autosomes)، كما في النظام الأمريكي (Combined DNA Index System-CODIS). يُستخدَم حاليّا” من13-32 من معلمات STR لتصنيف الحمض النووي في المختبرات الجنائية وفي قاعدة بيانات البصمة الوراثية. تُعتبَر هذه الأنظمة المتعددة للقطع القصيرة المتوالية (multiplexed STR)في غاية الأهمية؛ لأنها يمكن الآن أن تعطي نتائج قيمة للاستعراف البشري حتى مع العينات البيولوجية القديمة أو القليلة جدّا”. بالرغم من تعدُّد الأنظمة المختلفة في المختبرات حول العالم فإن هناك معلمات (ماركررات) مشتركة بينها تستخدمها للمقارنة بين النتائج المختلفة للجرائم العابرة للحدود والإنتربول (Interpol)
يُستخدَم مصطلح “النمط الوراثي” (Genotype) لتحديد الأليلات لكل ماركرز، ويمكن أن يكون النمط الوراثي متشابه الأليلات (Homozygous) أو مختلف الأليلات (Heterozygous). بصمة الحمض النووي أو البصمة الوراثية
(DNA Profile/DNA Fingerprinting) لأي شخص هي عبارة عن مزيج لكل من الأنماط الوراثية (genotypes) من معلمات الحمض النووي
(DNA Markers)
عند إجراء اختبارات بصمة الحمض النووي، يتم إجراء مقارنة نتائج بصمة الحمض النووي من العينات البيولوجية المرفوعة من مسرح الجريمة، مثل الدم واللعاب والأنسجة، والشعر، والمَنِي، أو أي مواد بيولوجية أخرى، مع عينات من الأشخاص المشتبه بهم